فصل: تفسير الآيات (1- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (58- 70):

{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)}
{سلام} بدل من {مَّا يَدَّعُونَ} كأنه قال لهم سلام يقال لهم {قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} والمعنى أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة تعظيماً لهم وذلك متمناهم ولهم ذلك لا يمنعونه. قال ابن عباس: والملائكة يدخلون عليهم بالتحية من رب العالمين. {وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون} وانفردوا عن المؤمنين وكونوا على حدة وذلك حين يحشر المؤمنون ويسار بهم إلى الجنة. وعن الضحاك: لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى أبداً ويقول لهم يوم القيامة {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابنى ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} العهد الوصية وعهد إليه إذا وصاه وعهد الله إليهم ما ركزه فيهم من أدلة العقل وأنزل عليهم من دلائل السمع، وعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم {وَأَنِ اعبدونى} وحدوني وأطيعوني {هذا} إشارة إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن {صراط مُّسْتَقِيمٌ} أي صراط بليغ في استقامته ولا صراط أقوم منه {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ} بكسر الجيم والباء والتشديد: مدني وعاصم وسهل {جبلاً} بضم الجيم والباء والتشديد: يعقوب {جُبْلاًّ} مخففاً: شامي وأبو عمرو. و{جُبُلاًّ} بضم الجيم والباء وتخفيف اللام: غيرهم، وهذه لغات في معنى الخلق {كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} استفهام تقريع على تركهم الانتفاع بالعقل {هذه جَهَنَّمُ التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} بها {اصلوها اليوم بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} ادخلوها بكفركم وإنكاركم لها.
{اليوم نَخْتِمُ على أفواههم} أي نمنعهم من الكلام {وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يروى أنهم يجحدون ويخاصمون فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم فيحلفون ما كانوا مشركين، فحيئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم، وفي الحديث: «يقول العبد يوم القيامة إني لا أجيز عليّ إلا شاهداً من نفسي فيختم على فيه ويقال لأركانه: أنطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل» {وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} لأعميناهم وأذهبنا أبصارهم. والطمس تعفيه شق العين حتى تعود ممسوحة {فاستبقوا الصراط} على حذف الجار وإيصال الفعل والأصل فاستبقوا إلى الصراط {فأنى يُبْصِرُونَ} فكيف يبصرون حينئذ وقد طمسنا أعينهم {وَلَوْ نَشَآءُ لمسخناهم} قردة أو خنازير أو حجارة {على مكانتهم} {على مكاناتهم} أبو بكر وحماد. والمكانة والمكان واحد كالمقامة والمقام أي لمسخناهم في منازلهم حيث يجترحون المآثم {فَمَا استطاعوا مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ} فلم يقدروا على ذهاب ولا مجيء أو مضياً أمامهم ولا يرجعون خلفهم.
{وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ} عاصم وحمزة، والتنكيس: جعل الشيء أعلاه أسفله، الباقون {نَنْكُسه} {فِى الخلق} أي نقلبه فيه بمعنى من أطلنا عمره نكسنا خلقه فصار بدل القوة ضعفاً وبدل الشباب هرماً، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده وخلو من عقل وعلم ثم جعلناه يتزايد إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوته ويعقل ويعلم ما له وما عليه، فإذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقض حتى يرجع إلى حال شبيهة بحال الصبي في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من العلم كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله قال عز وجل:
{وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العمر لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} [الحج: 5] {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} أن من قدر على أن ينقلهم من الشباب إلى الهرم ومن القوة إلى الضعف ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز، قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويبعثهم بعد الموت. وبالتاء: مدني ويعقوب وسهل.
وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاعر فنزل {وَمَا علمناه الشعر} أي وما علمنا النبي عليه السلام قول الشعراء أو وما علمناه بتعليم القرآن الشعر على معنى أن القرآن ليس بشعر فهو كلام موزون مقفى يدل على معنى، فأين الوزن وأين التقفية؟. فلا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققته {وَمَا يَنبَغِى لَهُ} وما يصح له ولا يليق بحاله ولا يتطلب لو طلبه أي جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل كما جعلناه أمياً لا يهتدي إلى الخط لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض وأما قوله:
أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب

وقوله:
هل أنت إلا أصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت

فما هو إلا من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة فيه ولا تكلف إلا أنه اتفق من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه أن جاء موزوناً كما يتفق في خطب الناس ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة، ولا يسميها أحد شعراً لأن صاحبه لم يقصد الوزن ولابد منه، على أنه عليه السلام قال (لقيت) بالسكون، وفتح الباء في (كذب) وخفض الباء في (المطلب) ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال: {إِنْ هُوَ} أي المعلم {إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِيْنٌ} أي ما هو إلا ذكر من الله يوعظ به الإنس والجن، وما هو إلا قرآن كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ويتلى في المتعبدات وينال بتلاوته والعمل به فوز الدارين، فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين {لِّيُنذِرَ} القرآن أو الرسول {لّتُنذِرَ} مدني وشامي وسهل ويعقوب {مَن كَانَ حَيّاً} عاقلاً متأملاً لأن الغافل كالميت أو حياً بالقلب، {وَيَحِقَّ القول} وتجب كلمة العذاب {عَلَى الكافرين} الذين لا يتأملون وهم في حكم الأموات.

.تفسير الآيات (71- 83):

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)}
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أنعاما} أي مما تولينا نحن إحداثه ولم يقدر على توليه غيرنا {فَهُمْ لَهَا مالكون} أي خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم فهم متصرفون فيها تصرف الملاك مختصون بالانتفاع بها أو فهم لها ضابطون قاهرون {وذللناها لَهُمْ} وصيرناها منقادة لهم وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله تعالى وتسخيره لها، ولهذا ألزم الله سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله {سبحان الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} وهو ما يركب {وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} أي سخرناها لهم ليركبوا ظهرها ويأكلوا لحمها {وَلَهُمْ فِيهَا منافع} من الجلود والأوبار وغير ذلك {ومشارب} من اللبن وهو جمع مشرب وهو موضع الشرب أو الشراب {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} الله على إنعام الأنعام {واتخذوا مِن دُونِ الله ءَالِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} أي لعل أصنامهم تنصرهم إذا حزبهم أمر {لاَ يَسْتَطِيعُونَ} أي آلهتهم {نَصَرَهُمْ} نصر عابديهم {وَهُمْ لَهُمْ} أي الكفار للأصنام {جُندٌ} أعوان وشيعة {مُحْضَرُونَ} يخدمونهم ويذبون عنهم، أو اتخذوهم لينصروهم عند الله ويشفعوا لهم والأمر على خلاف ما توهموا حيث هم يوم القيامة جند معدون لهم محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقود النار {فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} وبضم الياء وكسر الزاي: نافع من حزنه وأحزنه يعني فلا يهمك تكذيبهم وأذاهم وجفاؤهم.
{إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} من عداوتهم {وَمَا يُعْلِنُونَ} وإنا مجازوهم عليه فحق مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة حتى ينقشع عنه الهم ولا يرهقه الحزن. ومن زعم أن من قرأ {إِنا نعلم} بالفتح فسدت صلاته وإن اعتقد معناه كفر فقد أخطأ، لأنه يمكن حمله على حذف لام التعليل وهو كثير في القرآن والشعر وفي كل كلام، وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن الحمد والنعمة لك» كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي رحمة الله عليهما، وكلاهما تعليل. فإن قلت: إن كان المفتوح بدلاً من {قَوْلُهُمْ} كأنه قيل: فلا يحزنك أنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ففساده ظاهر. قلت: هذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول، فقد تبين أن تعلق الحزن بكون الله عالماً وعدم تعلقه لا يدوران على كسر (إن) وفتحها، وإنما يدوران على تقديرك فتفصل إن فتحت ب (أن) تقدر معنى التعليل ولا تقدر معنى البدل كما أنك تفصل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدر معنى المفعولية. ثم إن قدرته كاسراً أو فاتحاً على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل فما فيه إلا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن على علمه تعالى بسرهم وعلانيتهم، والنهي عن حزنه ليس إثباتاً لحزنه بذلك كما في قوله:
{فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً للكافرين} [القصص: 86] {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} [الأنعام: 14] {وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءَاخَرَ} [القصص: 88]. ونزل في أبي بن خلف حين أخذ عظماً بالياً وجعل يفته بيده ويقول: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعدما رم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم ويبعثك ويدخلك جهنم» {أَوَ لَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خلقناه مِن نُّطْفَةٍ} مذرة خارجة من الإحليل الذي هو قناة النجاسة {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} بين الخصومة أي فهو على مهانة أصله ودناءة أوله يتصدى لمخاصمة ربه وينكر قدرته على إحياء الميت بعد ما رمت عظامه، ثم يكون خصامه في ألزم وصف له وألصقه به وهو كونه منشأ من موات وهو ينكر إنشاءه من موات وهو غاية المكابرة {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} بفته العظم {وَنَسِىَ خَلْقَهُ} من المني فهو أغرب من إحياء العظم، المصدر مضاف إلى المفعول أي خلقنا إياه {قَالَ مَن يُحىِ العظام وَهِىَ رَمِيمٌ} هو اسم لما بلي من العظام غير صفة كالرمة والرفات ولهذا لم يؤنث، وقد وقع خبراً لمؤنث ومن يثبت الحياة في العظام ويقول إن عظام الميتة نجسة لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها يتشبث بهذه الآية وهي عندنا طاهرة، وكذا الشعر والعصب لأن الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت. والمراد بإحياء العظام في الآية ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا} خلقها {أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي ابتداء {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ} مخلوق {عَلِيمٌ} لا تخفى عليه أجزاؤه وإن تفرقت في البر والبحر فيجمعه ويعيده كما كان {الذى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ} تقدحون. ثم ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر مع مضادة النار الماء وانطفائها به وهي الزناد التي تورى بها الأعراب وأكثرها من المرخ والعفار، وفي أمثالهم (في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار) لأن المرخ شجر سريع الوري، والعفار شجر تقدح منه النار، يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهي أنثى فتنقدح النار بإذن الله. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ليس من شجرة إلا وفيها النار إلا العناب لمصلحة الدق للثياب، فمن قدر على جمع الماء والنار في الشجر قدر على المعاقبة بين الموت والحياة في البشر، وإجراء أحد الضدين على الآخر بالعقيب أسهل في العقل من الجمع معاً بلا ترتيب.
والأخضر على اللفظ وقريء الخضراء على المعنى.
ثم بين أن من قدر على خلق السماوات والأرض مع عظم شأنهما فهو على خلق الأناسيّ أقدر بقوله {أَوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} في الصغر بالإضافة إلى السماوات والأرض أو أن يعيدهم لأن المعاد مثل للمبتدأ وليس به {بلى} أي قل بلى هو قادر على ذلك {وَهُوَ الخلاق} الكثير المخلوقات {العليم} الكثير المعلومات {إِنَّمَا أَمْرُهُ} شأنه {إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن} أن يكونه {فَيَكُونُ} فيحدث أي فهو كائن موجود لا محالة. فالحاصل أن المكونات بتخليقه وتكوينه ولكن عبر عن إيجاده بقوله {كُن} من غير أن كان منه كاف ونون وإنما هو بيان لسرعة الإيجاد كأنه يقول: كما لا يثقل قول: {كن} عليكم فكذا لا يثقل على الله ابتداء الخلق وإعادتهم، {فيكون} شامي وعلي عطف على {يقول}، وأما الرفع فلأنها جملة من مبتدأ وخبر لأن تقديرها (فهو يكون) معطوفة على مثلها وهي (أمره أن يقول له كن) {فسبحان} تنزيه مما وصفه به المشركون وتعجيب من أن يقولوا فيه ما قالوا {الذى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَئ} أي ملك كل شيء. وزيادة الواو والتاء للمبالغة يعني هو مالك كل شيء {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تعادون بعد الموت بلا فوت، {تَرجعون}: يعقوب. قال عليه الصلاة والسلام: «إن لكل شيء قلباً وإن قلب القرآن يس»: «من قرأ يس يريد بها وجه الله غفر الله له وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة» وقال عليه السلام: «من قرأ يس أمام حاجته قضيت له» وقال عليه السلام: «من قرأها إن كان جائعاً أشبعه الله، وإن كان ظمآن أرواه الله، وإن كان عرياناً ألبسه الله، وإن كان خائفاً أمنه الله، وإن كان مستوحشاً آنسه الله، وإن كان فقيراً أغناه الله، وإن كان في السجن أخرجه الله، وإن كان أسيراً خلصه الله، وإن كان ضالاً هداه الله، وإن كان مديوناً قضى الله دينه من خزائنه» وتدعى الدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة والله أعلم.

.سورة الصافات:

.تفسير الآيات (1- 28):

{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11) بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12) وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13) وَإِذَا رَأَوْا آَيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14) وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)}
{والصافات صَفَّا فالزجرات زَجْراً فالتاليات ذِكْراً} أقسم سبحانه وتعالى بطوائف الملائكة، أو بنفوسهم الصافات أقدامها في الصلاة. فالزاجرات الحساب سوقاً أو عن المعاصي بالإلهام، فالتاليات لكلام الله من الكتب المنزلة وغيرها وهو قول ابن عباس وابن مسعود ومجاهد؛ أو بنفوس العلماء العمال الصافات أقدامها في التهجد وسائر الصلوات، فالزاجرات بالمواعظ والنصائح، فالتاليات آيات الله والدارسات شرائعه. أو بنفوس الغزاة في سبيل الله التي تصف الصفوف وتزجر الخيل للجهاد وتتلو الذكر مع ذلك. و{صَفَّا} مصدر مؤكد وكذلك {زَجْراً} والفاء تدل على ترتيب الصفات في التفاضل فتفيد الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة أو على العكس. وجواب القسم {إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ} قيل: هو جواب قولهم {أَجَعَلَ الآلهة إلها واحدا} [ص: 5] {رَبُّ السماوات والأرض} خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أي هو رب {وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق} أي مطالع الشمس وهي ثلثمائة وستون مشرقاً، وكذلك المغارب تشرق الشمس كل يوم في مشرق منها وتغرب في مغرب منها ولا تطلع ولا تغرب في واحد يومين. وأما {رَبُّ المشرقين وَرَبُّ المغربين} [الرحمن: 17] فإنه أراد مشرقي الصيف والشتاء ومغربيهما، وأما {رَّبُّ المشرق والمغرب} [المزمل: 9] فإنه أراد به الجهة فالمشرق جهه والمغرب جهة.
{إِنَّا زَيَّنَّا السمآءض الدنيا} القربى منكم تأنيث الأدنى {بِزِينَةٍ الكواكب} حفص وحمزة على البدل من {زينة} والمعنى إنا زينا السماء الدنيا بالكواكب، {بِزِينَةٍ الكواكب} أبو بكر على البدل من محل {بزينة} أو على إضمار أعني أو على إعمال المصدر منوناً في المفعول، {بِزِينَة الكواكب} غيرهم بإضافة المصدر إلى الفاعل أي بأن زانتها الكواكب وأصله بزينةٍ الكواكبُ أو على إضافته إلى المفعول أي بأن زان الله الكواكب وحسنها، لأنها إنما زينت السماء لحسنها في أنفسها وأصله {بِزِينَةٍ الكواكب} لقراءة أبي بكر {وَحِفْظاً} محمول على المعنى لأن المعنى إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظاً من الشياطين كما قال: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رُجُوماً للشياطين} [الملك: 5] أو الفعل المعلل مقدر كأنه قيل: وحفظاً من كل شيطان قد زيناها بالكواكب، أو معناه حفظناها حفظاً {مِّن كُلِّ شيطان مَّارِدٍ} خارج من الطاعة. والضمير في {لاَ يَسَّمَّعُونَ} لكل شيطان لأنه في معنى الشياطين، {يَسَّمَّعون} كوفي غير أبي بكر، وأصله (يتسمعون) والتسمع تطلب السماع يقال: تسمع فسمع أو فلم يسمع. وينبغي أن يكون كلاماً منقطعاً مبتدأ اقتصاصاً لما عليه حال المسترقة للسمع وأنهم لا يقدرون أن يسمعوا إلى كلام الملائكة أو يتسمعوا. وقيل: أصله لئلا يسمعوا فحذفت اللام كما حذفت في (جئتك أن تكرمني) فبقي أن لا يسمعوا فحذفت أن وأهدر عملها كما في قوله:
> ** ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى

وفيه تعسف يجب صون القرآن عن مثله، فإن كل واحد من الحذفين غير مردود على انفراده ولكن اجتماعهما منكر. والفرق بين (سمعت فلاناً) يتحدث و(سمعت إليه يتحدث) و(سمعت حديثه) و(إلى حديثه)، أن المعدى بنفسه يفيد الإدراك، والمعدى ب (إلى) يفيد الإصغاء مع الإدراك {إلى الملإ الأعلى} أي الملائكة لأنهم يسكنون السماوات، والإنس والجن هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض {وَيُقْذَفُونَ} يرمون بالشهب {مِن كُلِّ جَانِبٍ} من جميع جوانب السماء من أي جهة صعدوا للإستراق {دُحُوراً} مفعول له أي ويقذفون للدحور وهو الطرد، أو مدحورين على الحال، أو لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى فكأنه قيل: يدحرون أو قذفاً {وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ} دائم من الوصوب أي أنهم في الدنيا مرجومون بالشهب وقد أعد لهم في الآخرة نوع من العذاب دائم غير منقطع. و{من} في {إِلاَّ مَنْ} في محل الرفع بدل من الواو في {لا يسمعون} أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي {خَطِفَ الخطفة} أي سلب السلبة يعني أخذ شيئاً من كلامهم بسرعة {فَأَتْبَعَهُ} لحقه {شِهَابٌ} أي نجم رجم {ثَاقِبٌ} مضيء. {فاستفتهم} فاستخبر كفار مكة {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} أي أقوى خلقاً من قولهم شديد الخلق وفي خلقه شدة، أو أصعب خلقاً وأشقه على معنى الرد لإنكارهم البعث، وأن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون {أَم مَّنْ خَلَقْنَا} يريد ما ذكر من خلائقه من الملائكة والسماوات والأرض وما بينهما. وجيء ب (من) تغليباً للعقلاء على غيرهم ويدل عليه قراءة من قرأ {أم من} عددنا بالتشديد والتخفيف.
{إِنَّا خلقناهم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ} لاصق أو لازم وقرئ به، وهذا شهادة عليهم بالضعف لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة، أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا أئذا كنا تراباً؟ وهذا المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث {بَلْ عَجِبْتَ} من تكذيبهم إياك {وَيَسْخُرُونَ} هم منك ومن تعجبك، أو عجبت من إنكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث، {بَلْ عَجِبْتَ} حمزة وعلي أي استعظمت، والعجب روعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء فجرد لمعنى الاستعظام في حقه تعالى لأنه لا يجوز عليه الروعة، أو معناه قل يا محمد بل عجبتُ {وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ} ودأبهم أنهم إذا وعظوا بشيء لا يتعظون به.
{وَإِذَا رَأَوْاْ ءَايَةً} معجزة كانشقاق القمر ونحوه {يَسْتَسْخِرُونَ} يستدعي بعضهم بعضاً أن يسخر منها أو يبالغون في السخرية.
{وَقَالُواْ إِن هذا} ما هذا {إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} ظاهر {أَءِذَا} استفهام إنكار {مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وعظاما أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} أي أنبعث إذا كنا تراباً وعظاماً {أوَ آبَاؤُنَا} معطوف على محل {ان} واسمها، أو على الضمير في {مَّبْعُوثُونَ} والمعنى أيبعث أيضاً آباؤنا على زيادة الاستبعاد يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل. {أَو آباؤنا} بسكون الواو: مدني وشامي أي أيبعث واحد منا على المبالغة في الإنكار {الأولون} الأقدمون {قُلْ نَعَمْ} تبعثون {نِعْم} علي وهما لغتان {وَأَنتُمْ داخرون} صاغرون {فَإِنَّمَا هِىَ} جواب شرط مقدر تقديره إذا كان كذلك فما هي إلا {زَجْرَةٌ واحدة} و{هي} لا ترجع إلى شيء إنما هي مبهمة موضحها خبرها، ويجوز فإنما البعثة زجرة واحدة وهي النفخة الثانية. والزجرة الصيحة من قولك زجر الراعي الإبل أو الغنم إذا صاح عليها {فإذاهم} أحياء بصراء {هُمْ يَنَظُرُونَ} إلى سوء أعمالهم أو ينتظرون ما يحل بهم {وَقَالُواْ ياويلنا} الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة {هذا يَوْمُ الدين} أي اليوم الذي ندان فيه أي نجازي بأعمالنا {هذا يَوْمُ الفصل} يوم القضاء والفرق بين فرق الهدى والضلال {الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} ثم يحتمل أن يكون {هذا يَوْمُ الدين} إلى قوله {احشروا} من كلام الكفرة بعضهم مع بعض، وأن يكون من كلام الملائكة لهم، وأن يكون {ياويلنا هذا يَوْمُ الدين} من كلام الكفرة و{هذا يَوْمُ الفصل} من كلام الملائكة جواباً لهم.
{احشروا} خطاب الله للملائكة {الذين ظَلَمُواْ} كفروا {وأزواجهم} أي وأشباههم وقرناءهم من الشياطين أو نساءهم الكافرات، والواو بمعنى (مع) وقيل: للعطف. وقرئ بالرفع عطفاً على الضمير في {ظَلَمُواْ} {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} أي الأصنام {فاهدوهم} دلوهم، عن الأصمعي: هديته في الدين هدىً وفي الطريق هداية {إلى صراط الجحيم} طريق النار {وَقِفُوهُمْ} احبسوهم {إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} عن أقوالهم وأفعالهم {مَا لَكُمْ لاَ تناصرون} أي لا ينصر بعضكم بعضاً، وهذا توبيخ لهم بالعجز عن التناصر بعدما كانوا متناصرين في الدنيا. وقيل: هو جواب لأبي جهل حيث قال يوم بدر نحن جميع منتصر، وهو في موضع النصب على الحال أي ما لكم غير متناصرين {بَلْ هُمْ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} منقادون أو قد أسلم بعضهم بعضاً وخذله عن عجر وكلهم مستسلم غير منتصر. {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} أي التابع على المتبوع {يَتَسَآءَلُونَ} يتخاصمون {قَالُواْ} أي الأتباع للمتبوعين {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} عن القوة والقهر إذ اليمين موصوفة بالقوة وبها يقع البطش أي أنكم كنتم تحمولننا على الضلال وتقسروننا عليه.